story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

سمير شوقي يكتب: كأسٌ ثلاثة أرباعه فارغ!

ص ص

تحليل حصيلة سنة في كل المجالات في المغرب هو في الحقيقة تمرين صعب، ليس من حيث تدقيق المعطيات وتشريح المستجدات لكن، وعلى النقيض من ذلك، لأن المشهد رتيبٌ في ظل استمرار السياسات ذاتها.

هذه شذرات فقط لأن المساحة لا تتحمل الغوص في التفاصيل.

الصحفي الذي يسكنني لا يمكن إلا أن يبدأ حصيلة ما بين يوليوز 2024 ويوليوز 2025، بحدث بارز في أول يوم من فترة هذه الحصيلة، عندما تم إطلاق سراح صحفيين بعفو ملكي نبيل. كانت بارقة أمل بانفراج في المشهد الإعلامي والحقوقي، وإشارة إلى اتساع في هوامش حرية التعبير.

للأسف، اتضح أن الأمر لا يعدو قوساً سرعان ما أُغلق. فالحكومة، من خلال بعض أعضائها وموافقة رئيسها، سارعت إلى جرجرة عدة صحفيين أمام محاكم المملكة في قضايا الرأي، أصدر فيها القضاء أحكاماً قاسية بالسجن النافذ والغرامات الكبيرة، وعاد المغرب ليشغل الإعلام العالمي في هذا المجال. للأسف، لقد نسف هذا التوجه القيمة الرمزية للعفو الملكي.

هذا التشدد، كرسته الحكومة عندما مررت قانوناً يمنع جمعيات وهيئات المجتمع المدني من رفع شكايات وإقامة دعاوى عمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام والفساد بصفة عامة. وشكّل هذا القانون انتكاسة حقوقية حقيقية من شأنها أن تضرب صورة المملكة في الصميم لدى الهيئات الدولية ذات الصلة. هي في الواقع رسالة خاطئة للفاسدين.

في الجانب الاقتصادي، ثلثا كأس المملكة ظل فارغاً، فيما أنقدت التساقطات المطرية الثلث المملوء. فبفضلها، سجل الفصل الأول نسبة نمو لا بأس بها، بلغت 4,6% ، وبفضل مبيعات جيدة للفوسفاط ومشتقاته بلغت نسبة النمو في الفصل الثاني 4,5%.

بموازاة ذلك، انطلقت الأشغال الكبرى للبنى التحتية المرتبطة بالاستعداد لتنظيم كأس العالم 2030، مما أنعش الدورة الاقتصادية نسبياً في قطاعات البناء ومواده الأولية. لكن غطت إخفاقات الحصيلة على هذه الأوراش. فالغلاء بلغ مستويات قياسية ضربت القدرة الشرائية بشكل غير مسبوق. وتكفي جولة في أسواق المدن والمداشر لنلمس لهيب مستوى الأسعار، وعدم تجانسها مع الواقع الاقتصادي للبلاد منذ الاستقلال.

بارتباط مع ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، سُجِلَ سوء تدبير حظيرة المواشي واكبته فضيحة “الفراقشية” التي قال عنها وزير في الحكومة إن حفنة من المنتفعين استفادوا من إعفاءات ودعم بلغ 13 مليار درهم! وهذا الوضع المتدهور في تدبير القطيع أدى إلى إلغاء شعيرة عيد الأضحى لأول مرة منذ ثلاثين سنة.

بالنسبة للتشغيل، استقرت نسبة البطالة في 13,3%، مع بلوغها 16,4% في المجال الحضري، وهي مستويات قياسية تشكل صدمة خاصة. الحكومة بنت برنامجها الانتخابي حول “أسطورة” خلق مليون منصب شغل، فإذا بها تفقد عشرات الآلاف من المناصب.

ورغم استرجاع الاقتصاد الوطني 81 ألف منصب شغل سنة 2024 حسب المندوبية للشغل، فإن مجموع مناصب الشغل المفقودة بين 2022 و2024 بلغ حوالي 100 ألف منصب.

بالنسبة للمبادلات التجارية، تفاقم العجز التجاري، وبلغ 133 مليار درهم مما جعل نسبة تغطية الصادرات للواردات تتراجع إلى 59,9% فقط، و هذا مؤشر مقلق لأنه يشكل نزيفاً لاحتياطات المملكة من العملة الصعبة، لكنه كذلك فشل ذريع لسياسة حث المواطنين على استهلاك المنتوجات المحلية على حساب المواد المستوردة.

أبرز الأحداث السياسية بين يوليوز 2024 ويوليوز 2025 تميزت بتصحيح حكومي أسقط بعض الوزراء لفشلهم في مجالاتهم، لكن البعض ممن عوضوهم لم يسلموا من النقد بالنظر لمسارهم السياسي الفارغ.

في هذه الفترة، لم يكن للأحزاب ولا للنقابات دور قوي في النقاش العام بقدر ما كرست ضيق صدر الحكومة أمام الأصوات المنتقدة، وإن كانت مؤسسات دستورية.

ولأن هاته الأخيرة صارت أكثر إزعاجا من أحزاب المعارضة، تم تغيير رؤساء مؤسسات، كالمندوبية السامية للتخطيط، والهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة، بعد أن أصبحت تقارير المندوبية تعري عورات الحكومة فيما كرست ملفات الهيئة تقاعس الحكومة في محاربة الفساد.

ولسخرية القدر، فإن إقالة رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة واكب النقاش الذي سيطر على الرأي العام فيما اصطلح عليه ب “فضيحة تضارب المصالح” وإجهاض اللجنة البرلمانية للتقصي في هذا الموضوع، تماماً كما أُجهِضَ مشروع ملتمس الرقابة في ظروف غريبة تُتلامس الواقع البئيس للسياسة في بلدنا.

بشكل عام، السنة السادسة والعشرين من حكم الملك محمد السادس لم تشكل قطيعة مع ما سبقها، خاصة في ظل حكومة تدبر الشأن العام مند أكتوبر 2021 بنفس الروح ونفس الفلسفة رغم ضخامة التحديات وارتفاع منسوب المطالب الجماهيرية.

هذه الحكومة استهلكت 75%، أي ثلاثة أرباع، من الرصيد الزمني لها في حين لا يرقى ما حققته حتى لربع ما وعدت به، وهي حصيلة في الواقع هزيلة ومخيبة.

وحتى تُدرك هذه الحكومة معنى ذلك، أنصحها أن تضع أمام مِرآتها ما أنجزته من تقرير النموذج التنموي الجديد الذي أراده الملك أن يكون قلب البرنامج الحكومي.

رئيس مركز التفكير أوميغا