story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رياضة |

كارلو أنشيلوتي.. مايسترو إيطالي للصامبا البرازيلية

ص ص
عندما يتم ذكر إسم كارلو أنشيلوتي في أي منبر أو منصة، فالأمر يذهب مباشرة إلى القناعة أنه واحد من ألمع الأسماء التي عرفها عالم التدريب في كرة القدم. وحامل متفرد للعديد من الأرقام القياسية الشخصية التي دخلت التاريخ..
من “كارليتو”، ذلك الشاب الذي نشأ في قرية ريجولو الإيطالية، إلى أن أصبح واحدًا من أكثر المدربين شهرة ونجاحًا في تاريخ اللعبة، تتجسد مسيرته في قصة طموح، وتحد للصعاب وفترات الضغط الرهيبة.
ومن خلال مسيرة مليئة بالإنجازات التي تزين سجله، يتضح أن أنشيلوتي ليس مجرد مدرب عادي في اللائحة الطويلة والعريضة للمدربين الطاليان، بل كان وما يزال شخصية محورية فذة عرف كيف ينتقل بين الأجيال من المدربين واللاعبين بسلاسة نموذجية.
التحاقه في الأيام الأخيرة للإشراف على الطاقم التقني لمنتخب البرازيل، كان منتظرا بعد المفاوضات الطويلة التي خاضها الإيطالي مع المسؤولين البرازيليين كانت تتوقف كثيرا بسبب وضع جامعتها هناك ومشاكلها التنظيمية.. لكن يبقى المثير في هذا الإنتقال هو أن منتخب السيليساو سيعرف لأول مرة وبشكل رسمي تولي مدرب أجنبي مهام الإشراف على إدارته التقنية.
فيما يلي نعيد تقليب صفحات سيرة هذا المخضرم الإيطالي الناذر الذي يتصدر إسمه عناوين كبريات الصحف والمواقع الإعلامية العالمية خلال هذه الأيام.
 
العلاقة الأولى مع الكرة
وُلد كارلو أنشيلوتي في 10 يونيو 1959 في مدينة ريجولو الإيطالية، في أسرة بسيطة، كان والداه يعملان في صناعة الجبن. بعيدًا عن صخب الملاعب، كان أنشيلوتي يعمل جنبًا إلى جنب مع شقيقته في الزراعة، مما منحه قوة التحمل والصبر.
نشأ كارلو في بيئة لم تكن كرة القدم جزءًا أساسيًا منها، لكن عشقه لهذه الرياضة كان أكبر من أن يصرفه عنها شيء. بدأ مسيرته الرياضية في فريق ريجولو الشبابي قبل أن يكتشفه نادي بارما في عام 1974، ليبدأ مسيرته الاحترافية التي سرعان ما أثبتت أنها ستكون استثنائية بالنظر لتطوره السريع وشخصيته الإستثنائية.
 
مسار احترافي متميز
في عام 1976، دخل أنشيلوتي التاريخ من أوسع أبوابه عندما خاض أول مباراة احترافية له مع نادي بارما في دوري الدرجة الثالثة الإيطالي، وتمكن من تسجيل هدفين في مباراة حاسمة قاد فيها فريقه إلى دوري الدرجة الثانية.
ولعب في صفوف العديد من الأندية الكبرى مثل روما، حيث فاز بلقبين في كأس إيطاليا، ثم انتقل إلى ميلان حيث كتب فصولًا جديدة من النجاحات والبطولات.
كانت أبرز فترات مسيرته في ميلان، حيث حقق العديد من الألقاب الكبيرة مثل دوري أبطال أوروبا مرتين (1989 و1990)، إلى جانب فوزين في كأس السوبر الأوروبي، وكأسين بين القارات. ورغم النجاحات، اضطر أنشيلوتي للاعتزال المبكر في عام 1992 بسبب الإصابات التي تعرض لها خلال مسيرته.
 
الانتقال إلى عالم التدريب
لم يكن أنشيلوتي لاعبًا عاديًا فقط، بل كان يتمتع برؤية تكتيكية ناضجة حول كيفية إدارة المباريات. وبعد أن أكمل دراسته في أكاديمية كوفيرتشانو للتدريب، انتقل للعمل كمساعد للمدرب في المنتخب الإيطالي تحت إشراف أريغو ساكي، حيث شارك في قيادة الفريق إلى نهائي كأس العالم 1994. وبعد هذه التجربة المثرية، بدأ مسيرته التدريبية مع فريق ريجينا، ومن ثم انتقل إلى أندية أخرى، فحقق نجاحات كبيرة.
لقد عرف عنه إدارته الحكيمة التي ركزت على التنظيم الدفاعي والضغط العالي، مما جعله يتبنى أسلوبًا تكتيكيًا حديثًا في مختلف الأندية التي دربها. ففي فترة توليه تدريب ميلان، قاد الفريق لتحقيق نجاحات باهرة، منها الفوز بدوري أبطال أوروبا وكأس إيطاليا في 2003، وفاز بلقب الدوري الإيطالي في 2004، كما فاز بدوري الأبطال مرة أخرى في 2007.
نجاح مع أندية كبيرة
في مسيرته التدريبية، تولى أنشيلوتي قيادة أندية عملاقة مثل تشيلسي، حيث فاز معه بالدوري الإنجليزي الممتاز، وكأس الاتحاد الإنجليزي في 2010، ثم انتقل إلى باريس سان جيرمان، الذي فاز معه بلقب الدوري الفرنسي. لكن اللحظة الأكثر إشراقًا في مسيرته كانت عندما تولى تدريب ريال مدريد سنة 2013، ليحقق “العاشرة” لريال مدريد في دوري أبطال أوروبا، وهي البطولة التي طال انتظارها من قبل عشاق النادي، بالإضافة إلى الفوز بكأس الملك، وكأس السوبر الأوروبي، وكأس العالم للأندية.
ولم تتوقف نجاحات أنشيلوتي عند هذا الحد. إذ في 2016، انتقل إلى بايرن ميونيخ، حيث أضاف المزيد من الألقاب المحلية والدولية، قبل أن يغادر الفريق في 2017 بعد سلسلة من النتائج غير المرضية.
 
نابولي محطة مفصلية
في ماي 2018، أُعلن عن انتقال كارلو أنشيلوتي لتولي تدريب فريق نابولي الإيطالي في خطوة فاجأت الكثيرين. كان هذا القرار بمثابة تحدٍ جديد لأنشيلوتي الذي كان قد درب العديد من الأندية الكبيرة في أوروبا، ولكنه لم يسبق له أن عمل مع فريق نابولي الذي يملك تاريخًا مميزًا ولكنه يفتقر إلى الكأس الأوروبية التي طالما سعى وراءها.
لم يكن قرار الانتقال إلى نابولي مجرد خطوة للتطور المهني فقط، بل كان أيضًا خيارًا يعكس رغبة أنشيلوتي في إضافة المزيد إلى مسيرته، خصوصًا في الدوري الإيطالي الذي لطالما ارتبطت به علاقات قوية بعد فتراته الناجحة مع أندية مثل ميلان ويوفنتوس.
لم يتأخر أنشيلوتي في إثبات قيمته مع نابولي، حيث قدم فريقًا يلعب كرة قدم هجومية جميلة ومتوازنة، تجمع بين الحماسة التكتيكية وروح الفريق.
شهدت المرحلة التي قضاها مع الفريق تحولًا في الأداء الفني والبدني للاعبين، إذ جعل نابولي فريقًا صعب المراس في الدوري الإيطالي.
من خلال اختياراته التكتيكية، استطاع أنشيلوتي أن يضفي طابعًا مميزًا على الفريق، فأصبح نابولي يعتمد على أسلوب لعب متوازن بين الدفاع والهجوم، كما عزز الفريق بصفقات قوية من لاعبين ذوي خبرة عالية، مما جعلهم ينافسون بشدة على البطولات المحلية والأوروبية.
على الصعيد المحلي، نجح أنشيلوتي في رفع مستوى نابولي في الدوري الإيطالي، على الرغم من القوة التنافسية الشديدة من الأندية الأخرى مثل يوفنتوس وإنتر ميلان. وبفضل استقرار الفريق تحت قيادته، تمكن من منافسة الكبار وبلوغ مراحل متقدمة في البطولات.
وفي الدوري الأوروبي، استطاع أنشيلوتي أن يعيد نابولي إلى دائرة الاهتمام، حيث قدم مستويات قوية في المسابقات الأوروبية، وأثبت أنه قادر على التعامل مع فرق النخبة.
 
العودة للحضن الملكي
عاد كارلو أنشيلوتي إلى ريال مدريد في صيف 2021، ليبدأ فصلاً جديدًا مع النادي الملكي بعد تجربته الأولى الناجحة بين 2013 و2015. في هذه الفترة الثانية، قاد أنشيلوتي الفريق إلى مستويات عالية من التميز، حيث قام ببناء فريق قوي يتمتع بتوازن مثالي بين الخبرة والشباب. كانت أبرز إنجازاته في هذا الجزء من مسيرته، فوز ريال مدريد بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الرابعة عشرة في تاريخه، في موسم 2021-2022، بعد رحلة رائعة في البطولة الأوروبية.
أنشيلوتي لم يكتفِ فقط بالإنجازات الأوروبية، بل قاد ريال مدريد أيضًا لتحقيق لقب الدوري الإسباني في موسم 2021-2022، وهو ما يعكس قدرته الفائقة على إدارة النجوم وحفزهم لتحقيق أفضل أداء ممكن.
كان لهذه الفترة ملامح فنية خاصة؛ حيث تميز أسلوب أنشيلوتي بالتوازن الدفاعي والهجومي، مع الاعتماد على تحركات فردية رائعة من لاعبين مثل كريم بنزيمة، فينيسيوس جونيور، ولوكا مودريتش، مما جعله يتفوق على منافسيه في الدوري الإسباني ودوري الأبطال.
كما أن أنشيلوتي استطاع أن يدمج بين اللاعبين الشباب وذوي الخبرة، حيث منح فرصًا للاعبين مثل أوريلين تشواميني وإدواردو كامافينغا ليكون لهم دور محوري في الفريق، مما عزز من قوة ريال مدريد على المدى الطويل.
ومع مرور الوقت، تمكن أنشيلوتي من إظهار مرونته التكتيكية، حيث كان قادرًا على تغيير أسلوب اللعب وفقًا للظروف، ليحقق النجاحات التي أضافت إلى سجله المدريدي العديد من البطولات.
 
الجوائز والإنجازات
يشتهر كارلو أنشيلوتي بأنه واحد من المدربين القلائل الذين تمكنوا من الفوز بدوري أبطال أوروبا ثلاث مرات مع ثلاثة أندية مختلفة: ميلان في 2003 و2007، وريال مدريد في 2014. وهذا الإنجاز لوحده يجعله في قمة عالم التدريب، حيث كان قادرًا على التكيف مع اختلاف ثقافات الأندية وأساليب لعبها، وهو ما يعكس قدرة تكتيكية عالية في التعامل مع فرق متنوعة ومتطلبات متنوعة.
بفضل ذكائه التكتيكي، كان أنشيلوتي قادرًا على تغيير نمط اللعب في كل فريق تولى تدريبه، مع الحفاظ على فاعلية هجومية ودفاعية تضمن له التفوق على الفرق الأخرى.
لكن جوائز أنشيلوتي لا تقتصر على دوري الأبطال فحسب، بل تشمل أيضًا العديد من الألقاب المحلية. ففي الدوري الإنجليزي الممتاز، قاد تشيلسي إلى الفوز بالبطولة في موسم 2009-2010، مما أكسبه لقبًا كبيرًا في إنجلترا.
بالإضافة إلى ذلك، حصد العديد من الألقاب في البطولات المحلية مثل كأس إيطاليا، وكأس السوبر الأوروبي، وكأس السوبر الإيطالي، فضلاً عن بطولات أخرى في الدوري الفرنسي والدوري الألماني، إذ يعتبر المدرب الوحيد في تاريخ كرة القدم العالمية، الفائز بلقب الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا.
إن هذا الكم الهائل من البطولات والإنجازات يجعل من أنشيلوتي نموذجًا يحتذى به للمدربين الطموحين، فقد نجح في الفوز في أكبر البطولات على الصعيدين المحلي والدولي، وتمكن من قيادة فرق متنوعة إلى منصات التتويج.
 
كارلو في حياته الشخصية
بعيدًا عن الملعب، كانت حياة أنشيلوتي الشخصية مليئة بالتحديات أيضًا. على الرغم من جدول أعماله اليومي المزدحم كمدرب لأكبر الأندية في العالم، كان دائمًا ما يحافظ على توازن بين حياته الشخصية والمهنية.
على الصعيد العائلي، كان أنشيلوتي متزوجًا من لويسا جيبيليني لمدة 25 عامًا، وكان لديه ابنان، دافيدي وكاتيا. دافيدي، الذي كان لاعبًا سابقًا في فرق الشباب في ميلان، اتبع خطى والده في عالم كرة القدم، حيث أصبح مدربًا لياقة بدنية في ريال مدريد بعد أن لعب لفترة قصيرة في صفوف ميلان. كان دائمًا يهتم بالأسرة وتقديم الدعم الكامل لأبنائه في حياتهم المهنية.
في عام 2014، اختار أنشيلوتي بداية فصل جديد في حياته الشخصية عندما تزوج من سيدة الأعمال الكندية ماريان بارينا مكلاي. هذه الحياة الشخصية المستقرة كانت بمثابة دعم إضافي له في مواجهة تحديات مهنة التدريب التي لا تنتهي، مما منحه راحة نفسية ودفعة معنوية لاستكمال مسيرته المميزة.
اهتمامات مختلفة
بعيدًا عن عالم كرة القدم، كان لكارلو أنشيلوتي حضور في مجالات أخرى أيضًا. في خطوة غير تقليدية، ظهر أنشيلوتي في فيلم “ستار تريك بيوند” في دور عالم يفحص كائنًا فضائيًا. هذه المشاركة في عالم السينما أضافت بُعدًا جديدًا لشخصيته، وكشفت عن جوانب غير معروفة لعشاقه من مشجعي كرة القدم.
وكان أنشيلوتي في هذه التجربة يتعامل مع عالم مختلف تمامًا عن كرة القدم، وهو ما يبرز تنوع شخصيته وتفردها. هذه اللحظات غير التقليدية تعكس شخصيته المتعددة الجوانب، والتي لا تقتصر على كرة القدم فحسب.